وينبغي أن يكثر في خطبة الاستسقاء من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به, لأن ذلك سبب لنزول الغيث, ويكثر من الدعاء بطلب الغيث من الله تعالى, ويرفع يديه, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في دعائه بالاستسقاء, حتى يرى بياض إبطيه, ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, لأن ذلك من أسباب الإجابة, ويدعو بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن; اقتداء به,. قال الله تعالى: {لَ قَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} الممتحنة6 ويسن أن يستقبل القبلة في آخر الدعاء, ويحول رداءه; فيجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين, وكذلك ما شابه الرداء من اللباس كالعباءة ونحوها, لما في " الصحيحين "; ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حول إلى الناس ظهره, واستقبل القبلة يدعو, ثم حول رداءه... ) والحكمة في ذلك – والله أعلم – التفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه من الشدة إلى الرخاء ونزول الغيث, ويحول الناس أرديتهم لما روى الإمام أحمد: ( وحول الناس معه أرديتهم) ولأن ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق أمته, ما لم يدل دليل على اختصاصه به, ثم إن سقى الله المسلمين, وإلا; أعادوا الاستسقاء ثانيا وثالثا; لأن الحاجة داعية إلى ذلك.
ما يستحب في الاستسقاء: 1- يأمر الإمام الناس بالتوبة من المعاصي، والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر والخير من صدقة وغيرها، والخروج من المظالم وأداء الحقوق؛ لأن ذلك أرجى للإجابة. 2- أن يخرج الإمام والناس إلى المصلى بالصفة المسنونة: وهي أن يخرجوا بتواضع وتذلل وتخشع وإظهار للافتقار إلى الله تعالى. 3- الخروج إلى المصلى في الصحراء: لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى) 12. 4- ويُسَنُّ أن يستقبل الإمامُ القبلة في آخر الدعاء، ويُحوِّل رداءه؛ ويحول الناس أرديتهم لما في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم حوَّل إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه، ولما روى الإمام أحمد: عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استسقى لنا أطال الدعاء وأكثر المسألة، ثم قال: "ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهرا لبطن، وتحول الناس معه" 13 ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك من أسباب الإجابة. 5- الدعاء بالمأثور في الخطبة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريعاً مريئاً، طبقاً غدقاً، عاجلاً غير رائث، نافعاً غير ضار) 14.
صلاة الاستسقاء من رحمة الله بمخلوقاته أن يُنزل عليهم المطر، وقد تمرّ بعض الأوقات يكون فيها انحباس وانقطاع للأمطار مسبّباً العديد من المشاكل والظروف القاسية؛ لذلك فقد سنَّ وشرع الله تعالى لنا صلوات كثيرة تُقرّبنا منه متضرعين له، طالبين العفو والرحمة، ومن هذه الصلوات صلاة الاستسقاء التي تُصلى طلباً للمطر والسُقيا، ولهذه الصلاة كيفيّة خاصة تُصلى بها سنتعرّف عليها في هذا المقال. كيفية أداء الاستسقاء وعدد تكبيراتها صلاة الاستسقاء كصلاة العيد على رأي الجمهور، حيثُ تُصلى ركعتان، ويُكبَّر فيها بعد تكبيرة الإحرام سبع تكبيرات كما عند الشافعية، أو ستّ تكبيرات كما عند المالكية والحنابلة، وكلّ هذه الآراء صحيحة، في الركعة الثانية يُكبَّر بعد تكبيرة القيام خمس تكبيرات، ثم يتم المصلي صلاته، ويُستحبُّ الفصل بين كل تكبيرتين بذكر الله، مثل أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا يُشترط لها الأذان، كما لا يشترط الأذان لخطبتها، وينادى لها بالصلاة جامعة، ثم يخطب الإمام بالناس وإذا ما انتهى من الخطبة يندب أن يحوّل الخطيب رداءه، والمصلّون جميعاً، وذلك بأن يجعلوا ما شمائلهم على أيمانهم، ويستقبلوا القبلة، ويدعو الله رافعي الأيدي.
سادسًا: خطبة الاستسقاء: ذهب مالك في رواية عنه، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه، وأكثر أهل العلم إلى أن خطبة الاستسقاء بعد الصلاة؛ لحديث عبدالله بن زيد قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحوَّل رداءه حين استقبل القِبلة، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم استقبل القِبلة ودعا)؛ (رواه أحمد). وذهب مالك في رواية ثانية وأحمد في رواية ثانية إلى أن الخطبة قبل الصلاة؛ لحديث عبدالله بن زيد قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجه إلى القِبلة يدعو، وحوَّل رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة)؛ (رواه البخاري ومسلم). والأمر في هذا واسع، فيجوز أن يخطب قبل الصلاة أو بعدها، ويستحب أن تكون خطبته مناسبة للحديث، مشتملة إظهار الافتقار والندم والتوبة إلى الله تعالى؛ كما قال العباس حينما استسقى به عمرُ بن الخطاب رضي الله عنهما: (وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقِنا الغيثَ). والسؤال هنا: هل خطبة الاستسقاء خطبة واحدة أم خطبتان كالجمعة؟ ذهب المالكية والشافعية ومحمد بن الحسن إلى أنهما خطبتانِ كخطبتي العيد. وذهب الحنابلة وأبو يوسف إلى أنها خطبة واحدة، وهذا ما يرجحه الشيخ ابن عثيمين فيقول: (أما الاستسقاء فهو خطبة واحدة، حتى على قول من يرى أن صلاة العيد لها خطبتان، فهي خطبة واحدة؛ إما قبل الصلاة وإما بعد الصلاة؛ فالأمر كله جائزٌ).
سابعًا: الفرق بين صلاة الاستسقاء وصلاة العيدين: من الجدير بالذكر أن الشيخ ابن عثيمين ذكر في كتابه الشرح الممتع على زاد المستنقع أوجه الاختلاف بين صلاة الاستسقاء وصلاة العيدين، فيقول: (خالفَتْ صلاةُ الاستسقاء صلاةَ العيد في أمور، منها: أولًا: أنه يخطب في العيد خطبتين على المذهب، وأما الاستسقاء فيخطب لها خطبة واحدة. ثانيًا: أنه في صلاة الاستسقاء تجوز الخطبة قبل الصلاة وبعدها، وأما في صلاة العيد فتكون بعد الصلاة. ثالثًا: أنه في صلاة العيد تبين أحكام العيدين، وفي الاستسقاء يكثر من الاستغفار، والدعاء بطلب الغيث). ثامنًا: من سنن الاستسقاء: 1- خروج الناس مع الإمام إلى المصلى متبذِّلين متواضعين متضرعين؛ فقد روى أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج لصلاة الاستسقاء متبذِّلاً متواضعًا متضرعًا، (معنى متبذِّلاً؛ أي: تاركًا لبس ثياب الزينة، ومعنى متخشِّعًا؛ أي: مُظهِرًا للخشوع؛ ليكون ذلك وسيلة إلى نيل ما عند الله عز وجل، ومعنى متضرعًا؛ أي: مُظهِرًا للضراعة، وهي التذلل عند طلب الحاجة). 2- أن يدعوَ الإمام، ويكثر المسألة قائمًا مستقبل القِبلة، رافعًا يديه مبالغًا في رفعهما، جاعلًا ظهور كفيه إلى السماء، ويرفع الناس أيديهم، ويحول الإمام رداءه: عن عبدالله بن زيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي بهم، فقام فدعا الله قائمًا، ثم توجه قِبَل القِبلة وحوَّل رداءه، فأسقوا)؛ (رواه البخاري)، وقد ورد عند البخاري ومسلم وأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمد يديه - ويجعل بطونهما مما يلي الأرض - حتى يرى بياض إِبْطيه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد) قال الترمذي: " حديث حسن صحيح ", وصححه الحاكم وغيره. ويقرأ في الركعة الأولى بسورة: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وفي الثانية بسورة الغاشية. ويصليها أهل البلد في الصحراء, لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا في الصحراء, ولأن ذلك أبلغ في إظهار الافتقار إلى الله تعالى. وإذا أراد الإمام الخروج لصلاة الاستسقاء; فإنه ينبغي أن يتقدم ذلك تذكير الناس بما يلين قلوبهم من ذكر ثواب الله وعقابه, ويأمرهم بالتوبة من المعاصي, والخروج من المظالم, بردها إلى مستحقيها; لأن المعاصي سبب لمنع القطر وانقطاع البركات, والتوبة والاستغفار سبب لإجابة الدعاء, قال الله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} الأعراف96 ويأمرهم بالصدقة على الفقراء والمساكين, لأن ذلك سبب للرحمة, ثم يعين لهم يوما يخرجون فيه ليتهيئوا ويستعدوا لهذه المناسبة الكريمة بما يليق بها من الصفة المسنونة, ثم يخرجون في الموعد إلى المصلى بتواضع وتذلل وإظهار للافتقار إلى الله تعالى, ( ولقول ابن عباس رضي الله عنهما: خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا) قال الترمذي: " حديث حسن صحيح " وينبغي أن لا يتأخر أحد من المسلمين يستطيع الخروج, حتى الصبيان والنساء اللاتي لا تخشى الفتنة بخروجهن, فيصلي بهم الإمام ركعتين كما سبق, ثم يخطب خطبة واحدة, وبعض العلماء يرى أنه يخطب خطبتين, والأمر واسع, ولكن الاقتصار على خطبة واحدة أرجح من حيث الدليل, وكذلك كون الخطبة بعد صلاة الاستسقاء هو أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم, واستمر عمل المسلمين عليه, وورد أنه صلى الله عليه وسلم خطب قبل الصلاة, وقال به بعض العلماء, والأول أرجح, والله أعلم.
صفة صلاة الاستسقاء: أن يخرج المسلمون ومعهم الصبيان، والنساء اللاتي لا تُخشى الفتنة بخروجهن إلى المصلى (خارج البلد) فيُصلِّي بهم الإمام ركعتين بلا أذان ولا إقامة، كما يصلي في العيد، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: { سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية بعد الفاتحة: { هل أتاك حديث الغاشية}، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد) 4. ويخطب بعد الصلاة خطبة واحدة أو خطبتين على قول بعض العلماء والأمر في هذا واسع، فإذا انتهى من الخطبة حوَّل المصلون جميعاً أرديتهم بأن يجعلوا ما على أيمانهم على شمائلهم، ويجعلوا ما على شمائلهم على أيمانهم، ويستقبلوا القبلة، ويدعوا الله عز وجل رافعي أيديهم مبالغين في ذلك، فعن عبَّاد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد المازني أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما 5. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي وصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا ودعا الله عز وجل، وحوَّل وجهه نحو القبلة رافعاً يديه، ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن) 6.
6- ينبغي على الإمام أن يكثر في الخطبة من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به؛ لأن ذلك سبب لنزول الغيث، ويكثر من الدعاء بطلب الغيث من الله تعالى، ويرفع يديه؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يُرى بياض أبطيه) 15. 7- إذا لم ينزل المطر يعيدون الاستسقاء ثانياً وثالثاً؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك. 8- إذا نزل المطر يقف في أوله ليصيبه منه، ويقول: ( صيباً نافعاً) 16 ، ويقول: ( مُطرنا بفضل الله ورحمته) 17. 9- إذا زادت المياه وخيف منها الضرر، سُنَّ أنْ يقولوا: ( اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر) 18 ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك 19. أما إذا كان الاستسقاء في يوم الجمعة فإن الإمام يدعو ويؤمِّن المصلون على دعائه؛ لحديث أنس رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة, ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال: يا رسول الله, هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه, ثم قال: (( اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)) قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سَلْع من بيت ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائماً, فقال: يا رسول الله هلكت الأموال, وانقطعت السبل, فادع الله يمسكها عنا، قال فرفع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يديه, ثم قال: ( اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس 20.
kioskodeapuesta.com, 2024